عن
ملصقة الدّورة التّكوينية (فيفري 2015)
قلم: أحمد بلقمري . مستشار التّوجيه والتقييم والإدماج
المهنيين
منذ التحاقي بقطاع التكوين والتعليم المهنيين في سلك
مستشاري التوجيه والتقييم والإدماج المهنيين منذ خمس سنوات، وأنا أفكّر في الطرق
المثلى للرّقي بأداء عملي(La meilleure
performance)،
وتطوير قدراتي لا سيما في جانب تسيير الإعلام (Gestion de l’information)،
فمعرفة التنظيم
المتعلّق بالتّربية، التّكوين والعمل على المستوى المحلّي، الوطني والدّولي صار في
صلب اهتمامي، والقيام بإحصاء، تصنيف، نشر وتوزيع المعلومة المحيّنة المتعلّقة
بالمهن(الإعلام المهني) أضحى من أهمّ الواجبات التّي أضطلع بها، ناهيك عن ضرورة
استخدام تكنولوجيا الإعلام من أجل تزويد الجمهور الواسع بالمعلومة المهنية؛ وعلى
هذا الأساس سأقوم بتقديم عرض لإحدى الدّعائم الإعلامية الأساسية التّي تستخدم في دعم
العمل الإعلامي الدّاخلي والخارجي للمرافق العمومية للتكوين والتعليم المهنيين،
ألا وهي ملصقة الدّورة التكوينية الجديدة (دورة فيفري 2015)، والتّي قامت بإعدادها
وتوزيعها الوزارة الوصية(وزارة التكوين والتعليم المهنيين).
ملصقة إشهاريّة
مبتكرة واحترافية، أم عمل عادي لا يحقّق المبتغى؟
إنّ تصميم ملصقة إشهارية مبتكرة واحترافية يحتاج لاتّباع
بعض الخطوات المهمّة لتحقيق ذلك، ولعلّ أهمّ ما ينبغي أن يتحقّق للإنجاز هو تغيير
إيقاع العمل من طرف المصمّم، والاغتراف من المعلومات المتعلقة بالموضوع وفهم بعض
التحديات المرتبطة بالاتّصال البصري عن طريق الملصقة؛ فالملصقة دعامة ذات شكل
متغيّر تنقل مختلف أنماط المعلومات، وتستخدم لنقل رسالة معيّنة، ومهما كان نوع
الملصقة(إعلامية، إشهارية، اجتماعية، ثقافية، ملتزمة أو دعائية...إلخ)، ينبغي أن
تكون فعّالة، و تجلب الانتباه، وتحقّق منفعة وتعاطف الجمهور المستهدف، وتحثّ هذا
الأخير على الفعل، و التحرّك. وفي هذا الصّدد يقول جوزف ميلر بروكمن (Josef
Müller-Brockmann)-مصمّم معروف-:"
في ظرف أقلّ من ثانية، الملصقة يجب أن تؤثّر في فكر المارّة، وتجبرهم على استقبال
الرّسالة، وتتركهم يسحرون، ويقرؤون المعلومة بفضول بسيط، قبل أن يتدخّل المنطق ويعمل.
وخلاصة القول، هو اقتحام خفيّ، لكنّه محضّر بعناية".
إنّ نجاح أيّ ملصقة إعلانية يحتاج إلى توافر عديد
العوامل بدءا بالعناصر المكوّنة لمسارات التصميم، بما في ذلك مكوّنات الملصقة
وبخاصة تلك المرتبطة بالرّسائل الشفهية(النّصوص، الشّعارات وأخرى)، والرّسائل
البصرية(التمثيلات البصرية-Les
représentations visuelles-، الصّور)، فالتّكوين العام للهوية البصرية لأيّ
مشروع يلعب دورا هاما في التأثير على الجمهور المستهدف، لذلك يبدو من الأهمية
بمكان إعطاء حيّز من الاهتمام لبناء الهوية البصرية لأنّه من شأن ذلك خدمة المشروع
والرّقي بقيمته الفنية والجمالية، فيتمّ تقديمه بشكل احترافي جذّاب واستثنائي
يميّزه عن أيّ مشروع مماثل.
ما هي المسارات
السّليمة لتصميم ملصقة؟
إنّ مسارات التصوّر والتّصميم تختلف من شخص لآخر ومن مؤسّسة
لأخرى، لكنّني سأحاول اقتراح ستّ مسارات أو خطوات أعتقد أنّها مهمّة في تصميم
ملصقة:
1.معرفة الحاجات، التعليمات والشّروط (Connaître les besoins, consignes et contraintes):
تبدو المعرفة الأوّلية بتصميم ملصقة ضرورية لإنتاج عمل
لائق ومفيد، فالمصمّم ينبغي أن يكون على علم باحتياجات العميل، وفي كلّ المشاريع
ترتبط الشّروط بمدى توافر الاعتمادات المالية الضروريّة لإنجاز المشروع. فعلى سبيل
المثال: شروط الطباعة(الأسود والأبيض أو الألوان، النسخ المصوّرة، السّيريغرافيا،
طبع أوفسات-Impression offset-، إلخ)؛ نوعية الطبع؛ اختيار الدّعامة(ورق، نسيج، أو
أشياء أخرى)؛ إلى غير ذلك من الشروط. وفي هذا الصّدد ينبغي على المصمّم فهم ما
يطلب منه بدقّة، انطلاقا من حجم وقياس الملصقة، أمكنة الإلصاق، الموضوع، الأهداف
المحدّدة من طرف الجهة صاحبة الطّلب...إلخ.
2.معرفة متعلّقة بموضوع التّصميم(Connaissance
sur le sujet):
إنّ بحثا بسيطا وسريعا حول موضوع
التصميم يسمح بمعرفة بعض المتطلّبات الدّنيا، ويتمثّل البحث في قراءة والاطّلاع
على الكتب والمواقع الإلكترونية، المقالات، الإحصائيّات، المقابلات مع المختصين
ومع الجمهور المستهدف. فعلى المصمّم أن يبدو بروح منفتحة، ومتفهمة، ويطرح عديد
الأسئلة حول الموضوع مستخلصا النقاط الإيجابية والسلبية، حتّى يصل بعمله إلى
الغاية المنشودة. قد يمتدّ البحث وصولا إلى الوثائق البصرية والتّسجيلات السمعية،
وكذا قصاصات الجرائد، والصّور المتعلّقة بالموضوع، وعيّنات الألوان، كلّ هذه
العناصر مجتمعة تساعد على تكوين حقيبة أدوات لدى المصمّم؛ لكن على المصمّم أن يكون
حذرا في التعامل مع حقوق التأليف والحقوق المجاورة، فلا يحمله شغفه بتحقيق وإنجاز
الأفضل إلى التعدّي على حقوق الغير، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى على المصمّم أن
ينتبه لمصدر المعلومات التّي يجمعها، حيث ينبغي أن تكون المعلومات المجمّعة دقيقة
وصحيحة.
(إنّ المعرفة بالموضوع
تقود إلى جانب خبرة المصمّم نحو اختيار الزاوية المناسبة لبدء العمل بعيدا عن
التقليد والارتجال).
3. هدف الاتّصال(Objectif de
communication):
على المصمّم أن يعي أهميّة ما يقوم به، لذلك من المهم أن
يعرف أمكنة الإلصاق، الوقت المتوقّع لقراءة الملصقة، فالملصقة ذات الحجم الكبير
التّي تلصق في مكان عمومي غير تلك التي يتمّ إلصاقها في لوحة إلصاق بمؤسّسة، أو
داخل حافلة، وهكذا... الملصقة يجب أن تكون مفهومة بسرعة، ولفهم الرّسالة ينبغي
تحديد هدف واضح للاتّصال، من خلال طرح الأسئلة التالية: ما هو الهدف من الملصقة؟،
ما الذّي نرغب في إيصاله للنّاس؟، هل نرغب في: التعبئة، الإعلام، الحثّ على تبني
سلوك ما أو تغيير رأي، الترقية، الإرشاد، بيع منتج، جذب انتباه الجمهور المستهدف،
... إلخ.
(إنّ التّساهل في واحد من العناصر السّابقة قد يؤدّي إلى نتائج
عكسية لما نتوقّعه).
4. تحديد الجمهور المستهدف(Identification du
public cible):
إلى من تتّجه الملصقة؟، وما الذّي نودّ الحصول عليه؟،
هذان هما السّؤالان المهمّان اللّذان يتوجّب طرحهما من طرف المصمّم، طبعا لن نصل
إلى كلّ العالم عن طريق ملصقة لنوصل رسالتنا لكنّنا بالجديّة اللاّزمة سنحقّق
الكثير. قد تصل الملصقة لأفراد وجماعات كثر، لكن الأهمّ بالنسبة إلينا هو وصولها
إلى الجمهور المستهدف والمحدّد بدقة من طرفنا. هناك الكثير من الدّراسات التّي
تضبط ماهية الجمهور المستهدف، سلوكيات المستهلكين والمستخدمين...، قد يكون مفيدا
جدّا إذا الاستناد لمثل هذه الدّراسات، وقد يكون الاكتفاء باللّجوء إلى شخص واحد
ذي ثقة(الأب، الأم، الزّوجة، الأخ، الأخت، الزميل في العمل...) يُساعدنا من خلال
إبداء رأيه في التّصميم النهائي للملصقة قبل عرضها على جمهورها، هذا الشّخص يساعد
أيضا في تحديد العناصر البصرية والرّسائل الشفهية للملصقة.
5. تكوين الصّور الذّهنية وتوليدها(Idéation):
الخطوتان السّابقتان مهمّتان كثيرا لأنّهما يعطيان
الإيقاع اللازم لتكوين الصور الذّهنية وتوليدها. إنّ طريقة العصف الذّهني (Le remue-méninge) مطلوبة كثيرا في هذه المرحلة، بوصفها أسلوبا يشجّع
على التفكير الإبداعي، حيث تولّد الأفكار، وتخرج التصوّرات دون رقابة بما يسمح
بضبط الفكرة المديرة(l’idée directrice)، الرّسائل الشفهية(الشعارات)
والبصرية. ولكي يتمّ تحديد الفكرة المراد إيصالها، بإمكان المصمّم طرح الأسئلة
التالية: ما هي الوسائل التي هي بحوزتي والتي تحقق هدفي من الاتصال؟، أيّ
الانفعالات سأستخدمها للوصول غلى جمهوري المستهدف؟، على أيّ حبال لجمهوري المستهدف
سألعب؟، كم من الوقت يلزمني لتحقيق ما أصبو إليه؟.
6. الجانب البصري(Le visuel):
الجانب البصري إلى جانب النص المدرج في الملصقة ينبغي أن
يجلبا الانتباه، أن يكونا مبتكران، أن يحقّقا المنفعة، الفضول، إدهاش القارئ،
إيقافه، حفظ وفهم الرسالة وكذا التفاعل معها، فإلى هذه المرحلة النظرة العامة(L’esquissage) لا غنى عنها، فليس من السّهل التمثيل البصري لأفكار القارئ.
النظرة الإجمالية تسمح باستكشاف وسائل عديدة للتمثيل(صور، أمثلة توضيحية، رسوم،
لصق، قوالب لتلوين رسوم...)، لتجريب مختلف قواعد التصميم كالتركيب(La composition)، اللون(La couleur)، التباينات(Les contrastes)، الريتم(Les rytmes)، النسب( Les proportions)...إلخ. مراقبة هذه العناصر يؤدي
إلى تحقيق انسجام وزيادة الانتباه للملصقة؛ ومهما كانت وسائل التمثيلات البصرية
المستخدمة، يجب أن تكون سهلة الفهم، واضحة، بسيطة، وبأحجام جيّدة. الصّور المعقّدة
جدّا قد لا تكون مفهومة بسرعة. المعلومة السياقية- L’information textuelle -(الشعار، العنوان، العنوان الفرعي)، والبصرية(الصور)
ينبغي أن تتكامل. على سبيل المثال: إذا طرحنا مشكلة بصرية من خلال صورة معيّنة،
يجب أن يعمل النص(الشّعار) على اقتراح حلّ للمشكلة و/ أو تقديم إشارة من أجل حلّ
المشكلة أو العكس.
العنصر الأساسي الذّي نتمسك به لتكون الملصقة فعّالة،
بمعنى أن تكون ذات تأثير أقصى، هو البحث عن التبسيط(La simplicité)، سواء في الصّورة أو في النص. اللّون بالقدر ذاته،
هو جانب جدّ مهم في الملصقة لأنّه يُرى في البداية.
الحقيقة أنّ الملصقة الإشهارية لهذه الدّورة التكوينية
جاءت مغايرة بعض الشّيء لما ألفناه من دعائم إعلامية تعدّها الوزارة الوصية، حيث
حملت بعض الأشياء الإيجابية وأخرى سلبية سنعدّدها في هذا المقال.
(يوصى باستخدام الصّور الشّخصية-التي ترجع
لنا حقوق ملكيتها-، وألاّ نستخدم الصور المتاحة على الشبكة الإلكترونية لأنّها
مملوكة للآخرين، واقترابنا منها يعرّضنا للمساءلة القانونية).
هل تتمتّع ملصقة دورة فيفري2015 بشروط الملصقة الجيّدة
والفعّالة؟
عطفا على ما ذكرناه آنفا، نسجّل الملاحظات التالية على
الملصقة:
1. النظرة العامة للملصقة بصيغة البي دي أف(PDF) توحي بأنّ المصمّم اشتغل على تقسيم حيّز
العمل(الملصقة) إلى ثلاثة أقسام رئيسيّة(أعلى الصفحة/ وسط الصفحة/ أسفل الصفحة)،
مع اعتماد ضبط توجيه الصفحة على بورتريه(Portrait) أي استخدام الصّفحة عموديا. تمّ
اختيار اللّون الأرجواني المتدرّج(وهو اللّون الواقع بين البنفسجيّ
والأحمر-La
pourpre-) ليشكّل خلفية للملصقة مع بعض الأبيض إلى الوسط، وهو
اختيار صائب جدّا على اعتبار أنّ اللّون الأرجواني يشكّل حاليا توجّها كبيرا في عالم
الموضة والألوان، وحتّى القنوات التلفزيونية الشّهيرة صارت تستعمل هذا اللّون كلون
أساسي وعلامة دالة على القناة، وهنا نذكر قناة بي إن سبورتس الرياضية القطرية التّي
تحوّلت من اللّون البرتقالي إلى اللّون الأرجواني.
2. أعلى الصفحة(Head) خصّص لذكر جهة الإصدار(الجمهوريّة
الجزائريّة الدّيمقراطية الشعبية وتحته مباشرة عبارة وزارة التكوين والتعليم
المهنيين)، وإلى يمين أعلى الصفحة عنوان فرعي بلون أرجواني وخلفية بيضاء هو(دورة
فيفري 2015) بخط (DroidKufiRegular)، وهو خط حديث، جذّاب ومطوّر من طرف المصمّمين العرب. وتحت عنوان
الإصدار، وبخلفية بيضاء جاء نصّ(التكوين للجميع)، كلمة (التكوين) بلون أزرق، وكلمة
للجميع بلون أرجوانيّ؛ وهو كذلك شعار على أساس معلومة سياقية تمثّل إستراتيجية
الوزارة الوصية والتوجّهات الحاليّة في شأن التكوين المهني للمنظمات العالمية
كالأمم المتحدة، اليونيسكو ومنظمة العمل الدّولية؛ وأعتقد في ذات السّياق أنّ
الوزارة الوصية ستتخلّص من خجلها وتتّجه
مستقبلا لاستخدام شعار التكوين المهني
مدى الحياة(La
formation professionnelle toute au long de la vie)؛ وهنا علينا أن نشير إلى ذكاء المصمّم الذّي اختار اللّون الأزرق
في كلمة التكوين، وهو لون يدلّ على الأمل والمثالية ويؤدّي دور جلب الانتباه
للملصقة ما بين ثلاثة إلى أربعة ألوان رئيسيّة في التصميم.
3. نلاحظ في وسط الصفحة اتّجاه
المصمّم لوضع خمسة صور دالة على فرص التكوين، وهو تحديد دقيق للجمهور
المستهدف(طالبو التكوين-Les demandeurs
de formation-)،
بما في ذلك فئة ذوي الاحتياجات الخاصة.
4. بعد ذلك نلاحظ العودة إلى القسم الثالث والأخير في
الملصقة أسفل الصفحة، والمتعلّق بذكر معلومات وعناوين فرعية ذات قيمة وأهمية
تتعلّق
بأهم
مواعيد دخول التكوين المهني (دورة فيفري 2015)، حيث كتب النّص بلون أبيض متداخل مع
اللّون الأصفر الذهبي على خلفية أرجوانية؛ وخط جميل، جديد ومطوّر أيضا، وهو خط
ينتمي لمجموعة (GE SS Two).
5. أمّا
المفاجأة في هذا التصميم فقد كانت إلى يمين أسفل الصّفحة على خلفية بيضاء وبلون
أسود؛ إنّه تسجيل العمل عن طريق برنامج الباركود(Barcode)، فوضع باركود للملصقة يساهم في حماية حقوق العمل، كما يوفّر
مساحة، ويتضمّن معلومات وبيانات مهمّة ومختصرة لأقصى درجة عن المنتج النهائي.
·
عند
تحقّقنا من باركود الملصقة عن طريق الموقع الإلكتروني - http://www.onlinebarcodereader.com- تحصّلنا على المعلومات التالية:
Format :
QR-Code /Type :Content : BEGIN :VCARD\nVERSION:2.1\nN:;\nFN:\nORG:MFEP\nURL:www.mfep.gov.dz\nEND:VCARD
وعلى العموم؛
أعتبر شخصيّا تصميم ملصقة الوزارة لدورة فيفري 2015 واحدا من بين أفضل التصميمات
التي حظيت بمتابعتها على الأقلّ منذ خمس سنوات، وهو ما يبشّر بالخير في هذا
الجانب، على أمل أن تعمّم التجربة على مستوى كلّ المرافق العمومية للتكوين
والتعليم المهنيين، والتي لا تزال للأسف الشّديد متخلّفة كثيرا في مواكبتها لمختلف
التطوّرات الحاصلة لا سيما على المستوى العمل الإعلامي المحترف.
ليست هناك تعليقات:
اكتب commentsملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.