يمكنكم الاستماع لبرامجنا الإذاعية من هنا


الخميس، 30 يناير 2014

أينَ ثُلوجُ المعرِفة السّيكولوجيّة لتُسعِفنا؟..



أينَ ثُلوجُ المعرِفة السّيكولوجيّة لتُسعِفنا؟..

قلم: أحمد بلقمري. مستشار التّوجيه و التّقييم و الإدماج المهنيين


سُؤال لطالما طُرِحَ و نحنُ نمارس كأخصائيّين نفسيّين مدرسيين في المؤسّسات التكوينيّة الجزائريّة، يا له من طريق قطعناه دُون إحراز كبيرِ تقدّم، نعملُ كمستشارين للتّوجيه و التّقييم والإدماج المهنيين في مؤسّسات تكوينيّة، و لا يزال الكثيرون منّا يبدون احتياجات تدريبيّة كبيرة للإلمام بالمهارات المطلوبة للمُمارسة؛ نسعى من أجل تعلّم الآخرين في بيئة آمنة و صحيّة و مُساندة، و نفتقر في الغالب إلى الكفاءة اللاّزمة؛ ما الذّي يجب أن نفعله؟، هل يجب أن نجد حلاّ لسُؤال الهويّة المهنية مثلا؟، أم علينا الاستمرار في التّساؤل حتّى نجد الإجابات الشّافيّة الكافية؟، هل نحنُ مستشارون لتطبيق المعرفة السّيكولوجية من أجل المساعدة على حلّ المشكلات المدرسيّة في حقل التّكوين المهني؟، أم نحن إداريّون مكلّفون بأعباء كتابية وإداريّة خارج أدوارنا و اختصاصنا؟، أين نحنُ؟، ما الذّي نُريده؟، ما الذّي نملكه؟، و كيف السّبيل إلى تطوير قدراتنا و صقل مهارتنا في ظلّ عالم متغيّر، وتقدّم تكنولوجيّ سريع يطرح التّعليم المبرمج أو التعليم المرفق بحاسوب(EAO) بكلّ تعقيداته كبديل للتّعليم التّقليدي؟.


الحرُّ شديدٌ في صحراء تفتقرُ لجوّ مُنْعِشٍ

لم يعد دور المؤسّسة التّكوينية مثل ذي قبل، فالأفراد المقبلون على متابعة تكوين مهني يتغيّرون باستمرار، و البيئة التّكوينيّة بدورها تغيّرت كثيرا، لذلك كان من الواجب أن نأخذ احتياطاتنا للسّفر في هذه الصّحراء الشّاسعة. إنّ الحاجة صارت ملحّة لوجود الخدمات النّفسيّة في المؤسّسات التكوينية الجزائريّة، وذلك من أجل بناء شخصيّة أبنائنا بناء متكاملا من كلّ الجوانب، خاصّة و أنّ دور الأسرة التّوجيهي تراجع كثيرا، ناهيك عن الدّور الذّي بات يلعبه التّطوّر المذهل في ميدان التقنيّة، حيث صار الإنسان أشبه بإنسان آلي يستقبلُ كلّ شيء، وعليه التّعامل مع كلّ شيء. إنّ تعقّد الحياة و تشابك العلاقات الاجتماعيّة أدّى إلى ضرورة إيجاد ميكانيزمات لتنمية بعض المهارات لدى الأفراد للمساعدة على إدماجهم في المجتمع، و تزويدهم بالمعلومات والأساليب الضّرورية لتحقيق أفضل اختيار مهني لحياة اجتماعيّة و اقتصاديّة أكثر تعقيدا.

في المؤسّسة التكوينيّة الجزائريّة و لمواكبة هذه التطوّرات المهمّة في حياة الأفراد، تمّ استحداث وظيفة مستشار التوجيه المهني للعناية بحاجيّات المتكوّنين النّفسية، و مساعدتهم على حلّ مشكلاتهم النّفسيّة والسّلوكيّة، لكنّ هذا التعّميم في الدّور صاحبه غموض و خلط كبير بين دور الخدمة النّفسيّة و الخدمة الاجتماعيّة، حيث تمّ توظيف كلّ من يثبت تأهيلا أكاديميّا في علم الاجتماع، و علم النّفس، و علوم التّربية(ليسانس أو بكالوريا زائد أربع سنوات) دون تحديد دقيق لوظائف مستشار التّوجيه المهني، و لا معرفة العوامل المؤثرة في أدواره، و كذا دون تحديد العلاقة و التّرابط بين العلوم و الاختصاصات التّي تشكّل الخلفية المعرفيّة التّي قدم منها هذا المستشار، والذّي كان يجب أن يأتي من مدرسة علم النّفس(كأولويّة) لأنّ الخدمات النّفسيّة في جوهرها تطبيقات لعلم النّفس أو المعرفة السّيكولوجيّة.

ثلوجُ المعرفة السيكولوجيّة و حقول تدخّل مستشار التّوجيه المهني

ليس هناك أفضل من ثلوج المعرفة السّيكولوجيّة لتُسعفنا أمام حقول الحاجات التّي يبديها الأفراد المتكوّنون للتكيّف مع الوسط المهني من جهة، و مع مجتمع العمل من جهة أخرى لاحقا. إنّ حقول تدخّل مستشار التّوجيه المهني لطالما اشتكت من التصحّر في غياب النّفسانيّ المدرسيّ أو مستشار التّوجيه المهني ذي الخلفيّة العلميّة النّفسيّة المدرسيّة. ليس هناك أفضل من مستشار التّوجيه للمساعدة على تنمية قدرات المواجهة، و تنمية المهارات الاجتماعية، و تنمية القدرة على حلّ المشكلات، و تنمية القدرة على اتّخاذ القرار، و تعديل وتغيير السّلوك، و تنمية الطاقات الكامنة للمُتكوّنين و فق مناهج(المنهج النّمائي، المنهج الوقائي و المنهج العلاجي) واستراتيجيات ذات أسس علميّة أصيلة.

إنّ مستشار التّوجيه المهني يجب أن يضطلع بمجموعة أدوار محدّدة، بدءا بالتّوجيه و الإرشاد المهني، مرورا بالتّقدير و التقييم النّفسي، الاستشارات النّفسيّة، مساعدة إدارة المؤسسة التكوينية و أعضاء هيئة التّكوين، توجيه و إرشاد أولياء الأمور، فتح قنوات الاتّصال مع المجتمع المحليّ، إجراء البحوث و الدّراسات العلميّة، و وصولا إلى تقويم البرامج التربويّة و النّفسيّة، دون أن ننسى دوره في توجيه و إرشاد ذوي الاحتياجات الخاصّة.

إنّ المؤسسة التكوينية بدورها يقع على عاتقها توفير الظّروف المناسبة لكي يؤدّي مستشار التّوجيه المهني دوره المنوط به، و ذلك من خلال توفير مكتب خاصّ يليق بالخدمة النّفسيّة المقدّمة لفائدة الأفراد المتكوّنين، وكذا عدم تكليف المستشار بالأعمال التّي تقع خارج أدواره، كالاعتماد عليه لسدّ العجز في التأطير البيداغوجي في حالة غياب أستاذ ما، أو تكليفه بالأعباء الإدارية و الكتابية التّي لا تدخل نطاق اختصاصه، تكليفه بمعاقبة المتكوّنين المخلّين بلوائح النظام الدّاخلي و قواعد الانضباط؛ كلّ هذا من شأنه أن يحُدّ من فاعليّة الدّور الذّي يقوم به المُستشار.

و على هذا الأساس يجب الكفّ عن النّظر إلى مستشار التّوجيه كعون عمومي إداري يقدّم خدمة عمومية في مرفق عام، إنّما يجب تثمين العمل الذّي يقوم به كخبير في الخدمات الإرشادية للشّباب المتكوّنين، فهو يقوم بتقديم خدمات الصحة النّفسية و الاهتمامات التربوية لجميع الشّباب، كما يساعد على حلّ المشكلات بالنّسبة لهم، بالإضافة إلى سعيه نحو جعل الأفراد المتكوّنين أكثر توافقا مع الوسط التكويني المهني استعدادا للولوج بكلّ أريحية إلى سوق الشّغل الأكثر تعقيدا.

ليست هناك تعليقات:
اكتب comments

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.

هل أنت معجب بأعمالنا وخدماتنا؟
احصل على آخر تحديثاتنا !